الإثنين 29 أبريل 2024
توقيت مصر 13:35 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

ترامب ..من أنت؟ وكيف طلعت فى دنيانا؟

كان من أبرز الخصائص الأخلاقية لعمر رضى الله عنه(تجاوز)ما هوشخصى وعابر الى ما هوموضوعى ودائم.. وهذه الصفة فى الحقيقة من أكمل وأصدق وأشرف الخصائص الاخلاقية التى يمكن أن يتصف بها إنسان وهى للأسف وكما يقول كتاب الحياة والبشر صفة نادرة وقليل من يتصفون بها..وتروى لنا سيرة عمر الكثير من المواقف التى يكون فيها الشخصى صورة ممثلة لا أكثر للفكرة والموضوع .. عمق أعماق  السبب والدافع  لصنع الموقف .
يدخل المسجد فيرى رجلا يصلى مطئطئا عنقه حتى تكاد تصل إلى صدره فيقول له يا أخى إن الخشوع فى القلوب وليس فى الأعناق ..ومرة أخرى يدخل فيرى رجلا لا يكاد يغادرمكانه  فى المسجد فيسأل عن أحواله المعيشية فيعرف أن أخاه يتولاها ..فيقول هو خير منه ..انتهت قصة الرجلان وبقيت القيمة والفكرة والمعنى.
يعرف أن رجلا يكثرمن الزواج والطلاق..فلا يعتبر الموضوع حرية شخصية _إحدى فضائح كورونا التى سنعرفها لاحقا_ فيصحح له مفاهيمه قائلا له ولزوجته:البيوت لا تقام على الحب فقط إنما على الإسلام والأنساب على أن أشهر موقف هو موقفه مع العبقرية العسكرية فى كل العصور(خالد بن الوليد) فيعزله من قيادة الجيش وهو فى عز انتصاراته قاصدا بكل ذلك الموضوعى والتأسيسى والمنهجى وهو أن تكون السلطة العسكرية خاضعة للسلطة السياسية..سيأتى الرئيس الفرنسى ماكرون بعدها بمئات السنين ويعزل قائد الجيش دوفيليه(2017م) مؤكدا ما سبق أن أكده الفاروق فى العلاقة بين القيادة السياسية و القيادة العسكرية..
كل هذه المواقف كانت تحدث وتتم وعين عمر(مفتوحة على اتساعها)باتجاه الحياة وأفكار الحياة والبشر الذين يعمرون هذه الحياة .

*****
لكن ما علاقة كل ذلك بالرئيس الامريكى الـ 45 (دونالد ترامب ) الذى أدخل بلاده فى أسوأ كارثة مرت بها فى تاريخها المشئوم ..؟ العلاقة بسيطة وواضحة وهو أن ترامب  الذى أمامنا الأن وأمام التاريخ ليس هو مستر دونالد سمسار العقارات بن مستر جون ترامب التاجر الثرى ..ترامب الأن (حالة) وليس (شخصا) ..
لينطلق أوجع سؤال فى هذه الأيام : كيف جاء هذا المتهور الثأرى الرافض للتاريخ والديمقراطية و المؤسسات والتعاون الدولى والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية ..من صنع أفكاره..ومن أتى به..ومن يدعمه..ومن يوجهة..والأقذر:من يستخدمه ؟

يقولون أن تعامل دونالد ترامب مع وباء كورونا هو أسوأ فشل في تاريخ الإدارة الأميركية ..فلقد سجل فى هذا الملف استهتاراً لم يحدث فى أي إدارة أمريكية عبر تاريخ أمريكا كله في التعامل مع خطراً وجودياً يمس مستقبل أمة..
(لقد سيطرنا كلياً على الوضع..الأمر يتعلق بشخص واحد قدم من الصين كل شيء سيكون على ما يرام) هكذا خرج ترامب الى أمته وشعبه فى أخر يناير الماضى فى الوقت الذى قدمت له المخابرات المركزية  تقاريرخطيرة تحذره من هذه(الجائحة) .
بيل جيتس قال معلقا على ذلك كان من المفترض أن تكون أمريكا الثرية القوية المتطورة هي أكثر الدول استعدادا للقضاء على الوباء وليس لاستقباله.. فبينما كان الفيروس يعيث فسادا في دول أخرى سقطت الولايات المتحدة في مستنقع (كوفيد – 19)..كوريا الجنوبية وسنغافورة وهونج كونج أخذت بنصائح الصين ومنظمة الصحة العالمية لاحتواء هذا الفيروس: اختبارات لتحديد المصابين..وعزلهم..وتتبع من كانوا على اتصال بهم وحققت به انتصارا رائعا ..وهذا ما لم تفعله أمريكا.                                                             
****
ترامب بدلا من ذلك هاجم الصين بعنصرية مقيته واصفا الفيروس بالـ(الصينى) ..وأخذ فى مهاجمة منظمة الصحة العالمية..فى طريقة قديمة جدا للهروب للأمام..كل من تقابله فى طريق هروبك وجه له اللوم والاتهام . مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)حذر من انتشار(جرائم الكراهية)ضد الأميركيين من أصول آسيوية بسبب هذه التصريحات الكريهة كما وصقتها هيلارى كلينتون.
الأسوأ والأخيب هو ظهور زوج بنته( صاحب صفقة القرن) فى الصورة فجأة يوم الخميس 2 ابريل تأكيداً لدوره في الخلية التي أنشأت لإدارة أكبر قوة في العالم لأسوأ أزمات تاريخها.. وتحدث بعنجهيتة  الكذوبة المعتادة عن القوة التي يملكها كباحث عن الحلول الخلاقة لمواجهة الفيروس الذي زرع الخوف لدى الأمريكيين .. وبنفس الكلام البالى البارد المنتهى الصلاحية قال وهو يستعرض براعة غباؤه: أننا سنكون قادرين على التفكير بحلول مبتكرة وسنطلب مساعدة أهم العقول في البلاد وسوف نستخدم أفضل الأفكار..يا إبنى هذا الكلام .. بح ..خلاص..كان عندنا شاعر إسمه أحمد فؤاد نجم وصفك قبل أن يراك وقال: ع الهيافه في الكلام/أما مخك مش تمام/إنت شوف لك سهره حلوه/بكام قزازاه وجوز حمام/أنت تتنيل تنام..


****

يقولون أن البيت الأبيض الأن مثل( مدينة أشباح)خاوي من الخبرات العلمية..ففى عام 2018 م تم حل(مكتب التأهب للأوبئة)!!..الذي كان جزءا من (مجلس الأمن القومي)..إحدى عضوات هذا المكتب وفي 28 يناير الماضي حثت الحكومة على التحرك الآن وحالا لمنع سقوط أمريكا في هوة الوباء والعمل على تطوير اختبارات تشخيصية سريعة وبسيطة..ولكن لأنه لم يعد هناك (مكتب تأهب للأوبئه)نشرت هذه التحذيرات في صحيفة (وول ستريت جورنال).
من بداية ظهورهذه الكارثة لم يقدم ترامب رؤية واضحة ولا سياسات موجِهة ولا تنسيق مؤسسي بل لم يبد أى رغبة فى العمل من أصله..أساء الرجل التعامل مع الأزمة إلى درجة فاقت مخاوف جميع الخبراء الصحيين بل فاقت كل توقعاتنا كما قالت احدى المتخصصات في مجال التأهب للكوارث بجامعة جون هوبكنز..
كان من الممكن أن يستفيد ترامب مبكرا من قانون (الإنتاج الدفاعي)وإطلاق المجهود الحربي الذي تتحول فيه الصناعة الأمريكية إلى إنتاج المعدات والأجهزة الطبية لكن ضغوط الغرفة التجارية الأمريكية ورؤساء الشركات الكبرى (قف هنا وشاورعليهم بكل الأصابع المتسخة) إذ بعد استدعاء القانون فشل وقتها في تفعيله مراعاة لهم وتحضيرا لإعادة انتخابة وليس لإنقاذ شعبه .. ولم يفعل الا بعد مرور 10 أيام .
فريق من الباحثين قال أنه في حالة عدم السيطرة على الوباء فإن جميع الأسرًة فى جميع المستشفيات ستكون مشغولة بنهاية شهر أبريل وبنهاية يونيو فإن سريرا واحدا فقط في العناية المركزة سيكون متاحا لكل 15 مريض بـ (كوفيد – 19) وبنهاية الصيف سيكون الوباء قد قضى 2.2 مليون أمريكي( بشكل مباشر)هذا طبعا بخلاف من سيموتون بـ (شكل غير مباشر)بسبب عجز المستشفيات عن توفير الرعاية للمرضى العاديين .

****

لا يمكن أن يحمينا من هذه الأزمات إلا الحكم القائم على العلم والادارة المنتظمة.. الآن لا يأمل المرء إلا أن يكون هناك عدد كافٍ من البيروقراطيين والعلماء في الحكومة لحمايتنا من ترامب وأتباعه غير المؤهلين..هكذا قال صاحب كتاب (خيبات العولمة/2003م )جوزيف ستيجليز الحائزعلى جائزة نوبل في الاقتصاد(2001م).
وأزيدكم من الشعر بيتا قال الرجل فى هذا الكتاب أن صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الرئيسية تضع مصالح بورصة وول ستريت والمجتمع المالي فوق مصالح الدول الأكثر فقرا..للمفارقة كان ستيجليز النائب الاول لرئيس البنك الدولى 3 سنوات من عام 1997م.

ناعوم تشومسكى (91 عاما)..وما أدراك ما تشومسكى قال : لقد أعادنا وباء كورونا الى خطابات هتلر امام حشوده..نفس حالات الخوف والحيرة هذه الأيام..وبالذات عندما نسمع خطابات ترامب _بأفكاره الأنانية _أمام حشوده هو أيضا..لا شىء سوى نشر الخوف والتهديد والوعيد والعنصرية والكراهية بين البشر.. وأضاف : كان بالإمكان تفادي هذا الوباء لو تم الاستعداد له جيدا من خلال البحث العلمى الأمين..ولكن شركات الأدوية العالمية ركزت اهتمامها على الأرباح فقط (شركة فايزر كسبت من الليبيتور والفياجرا 2 مليار دولارعام 2001م)بدلا من إيجاد لقاح لحماية العالم من هذا الدمار الشامل لكن الطاعون( النيوليبرالي)عرقل ذلك..نحن فى لحظة حرجة من تاريخ البشرية.

****

كل الشكر للسيد ترامب أن جعلنا نتذاكر(عمر)وعظمة الإنسان فى الإسلام وعبقرية الانسان فى شخص عمر.. وهنا دعونا نحيى هؤلاء العلماء والمفكرون الذين دعوا العالم الاسلامى الخميس 9 ابريل الى استنفار شخصيته الأصيلة العميقة المكنونة فى أعماق روحه وتفعيل مشروع(عالمية الزكاة)بوصفها من أسباب الخير للبشرية ولإحياء المسؤولية الإنسانية والأخلاقية والتي قدروها بما يزيد على 400 مليار دولارلهذه السنة.. وتسخيرها لإنقاذ الفقراء نظرا لظروف حظر التجول وإغلاق كثير من مجالات العمل ما أدى الى ضيق العيش على المحتاجين..ولم يفرقوا بين مسلم وغير مسلم قائلين أن :(المعاناة البشرية) يمكن لها أن تجمع بين الشعوب أكثر مما تفعله لغة المصالح والمكاسب..ومن عندى لغة الـ(النيوليبرالية) الشرسة العنيفة الصادمة.
كان (فيودور دوستويفسكي )عملاق الرواية فى العالم كله لا يحب أبطال رواياته إلا بمقدار ما يعانون من أجل غيرهم..طريق المعاناة فى سبيل الحياة والبشركان عنده الطريق الوحيد للفهم والإدراك والوعي والمعرفة وبزوغ الحالة الروحية المضيئة والملهمة  التى تكشف عن عمق وسمو الروح وتوحد البشر.. إنه الطريق إلى السعادة .. بهذا الفهم الإنسانى النبيل قال علماؤنا الأجلاء قولتهم فى(عالمية الزكاة).
(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) سورة التوبة.
لكن يا عم ديستوفيسكى الغرب الاستعمارى كان طوال تاريخه أكثر نذالة وخسة من معرفة التجارب الروحية المضيئة الملهمة..وإسألوا ترامب.