الإثنين 29 أبريل 2024
توقيت مصر 17:47 م
المصريون
رئيس مجلس الإدارة و رئيس التحرير

جمال سلطان

في الصحافة والحياة..

ليلة الجلوس مع عبدالله عزام

ليس جيدا أن يلتقي صحفي شخصية محورية مؤثرة على أحداث غاية في الأهمية، وبعد الحوار بأيام وأثناء إعداده للنشر، تموت تلك الشخصية في إنفجار غامض استهدفه واثنين من أبنائه في طريقهم لصلاة الجمعة.
تذكرت ذلك مؤخرا  بعد مرور أكثر من 31 عاما على الحوار والإنفجار، وأنا استعرض ما كتبه الباحث النرويجي توماس هيغهامر  في كتابه "القافلة: عبد الله عزام وصعود الفكر الجهادي العالمي : The Caravaan Abdallah Azzam and the Rise of Global Jihad   
توماس يتحدث عن الدكتور عبدالله عزام ودوره في صعود ما يسميه بالجهاد العالمي، وعن واقعة التفجير الغامضة حتى الآن بواسطة زراعة لغم في طريق سيارته.
لفت نظري تركيز توماس على ما كان يردده عزام في خطابه الداعي للجهاد في أفغانستان، عن رائحة المسك التي يعتقد أنها تفوح من دم شهداء الجهاد الأفغاني.
في نوفمبر 1989 ، كانت الأيام الأولى لزوجتي في جدة وهي لا تزال عروسا، فلم يكن قد مضى على زواجنا في الأقصر بصعيد مصر سوى شهر إلا قليلا، جاءني تليفون من وسيط بأن عبدالله عزام في أحد البيوت في جدة التي وصلها من إسلام أباد في زيارة قصيرة، وأنه ينتظرني للحوار بعد صلاة العشاء.
طلبت ذلك الحوار ضمن سلسلة كانت ستشمل بعض قادة الجهاد الأفغاني الكبار مثل  عبد رب الرسول سياف وبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود  وصبغة الله مجددي وجلال الدين حقاني،  وقلب الدين حكمتيار، وكان الراحل جمال خاشقجي يصحح لي دائما بأنه غلب الدين وليس قلب الدين وهو الأصح طبعا بسبب خبرته الطويلة في الشأن الأفغاني.
قبل صلاة العشاء وليس بعدها كنت على الباب حيث دلفت إلى صالة متسعة جدا يجلس فيها العشرات على مجالس عربية ممتدة ويتوسطهم الشيخ عبدالله عزام كأنه في درس العصر في المسجد، الذي كان يرسلني إليه الحاج عبداللطيف فايد رحمه الله في شهر رمضان  أثناء عملي صحفيا متدربا في جريدة الجمهورية مطلع الثمانينيات.
عبدالله عزام معروف في الإعلام الغربي بالأب الروحي للأفغان العرب، فقد تمكن بخطابه العاطفي الديني من تجنيد نحو 7 آلاف من شباب العرب وتوجيههم إلى الساحة الأفغانية.
أمامه وضعت عدة أكياس أخرج منها ملابس مخضبة بالدماء ، نثرها على السجاد قائلا إنها ملابس شهداء معركة جلال آباد  من السعوديين، وهي معركة مشهورة في صراع المجاهدين الأفغان ضد نظام نجيب الله في كابل وحلفائه السوفييت. 
طلب أن نشم رائحة المسك من خلال الدم، وهي أهم أدبيات عزام في تلك القضية، وكان سيجري تسليم الملابس لذوي الضحايا في أحد أحياء جدة، وقد حضرت ذلك في اليوم التالي. وما سمعته من صيحات الله أكبر في ليلة الجلوس مع عزام سمعته من ذوي الضحايا.
والحق أنني لم أشم رائحة المسك، لعلك تتصور الرائحة التي تشمها من دماء بشر مرت عليها عدة أيام في الأجواء الحارة. ولا شيء أزيده على ذلك حتى لا أجرح مشاعر أحد.
لم أقل ذلك للشيخ عبدالله فهو شديد الإيمان بتلك “الكرامة" كما يسميها، وربما لخوفي من إغضابه فيتوقف الحوار وتتعطل الحوارات الأخرى لتأثيره الديني على زعماء الجهاد الأفغاني، خصوصا أنني كنت سأسافر لمهمتي الصحفية إلى بشاور بباكستان حيث يقيم مع عائلته ويبدأ المرحلة الأولى من تهيئة الأفغان العرب، في ما عرف باسم “مكتب الخدمات” وأيضا إلى  وادي بنشير في أفغانستان معقل صديقه القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود، ثم إلى جلال آباد وقندوز. 
وربما لم أشم المسك لنقص فادح في درجة إيماني كما أخبرني صاحبي وسيط الحوار الذي بحت له بذلك.
وللحكاية بقية..